موضوع: كيف تستطيع مصر استعادة ثقلها العربي؟ الجمعة نوفمبر 28, 2008 4:19 am
</IMG>
</IMG>
</IMG>
</IMG> </IMG>
</IMG>
د. رغيد الصلح استأثر النشاط الاقليمي المكثف الذي قامت به الحكومة المصرية في الآونة الاخيرة باهتمام خاص. من هذا النشاط ما اتجه الى تعزيز الدور المصري على المستوى الاقليمي العام. على هذا الصعيد حققت القاهرة ما اعتبره مراقبون تقدما ملحوظا في مكانتها الاقليمية عندما اختيرت مصر، جنبا الى جنب مع فرنسا، لرئاسة الاتحاد المتوسطي. بعدها بأيام، دعت مصر الدول المطلة على البحر الاحمر الى اجتماع لبحث قضية القرصنة المتفاقمة في تلك المنطقة. وكما تزداد وتيرة التحرك المصري الاقليمي سياسيا وأمنيا، فإن القاهرة تنشط لتطوير علاقاتها الاقليمية الوظيفية. وهكذا فإن انضمام فلسطين الى شبكة الربط الكهربائي السباعي التي تتعهدها القاهرة بعناية خاصة يعتبر كسبا مصريا. وعلى صعيد العلاقات الوظيفية ايضا، يأمل مصريون كثيرون ان يتعزز دور مصر الاقليمي اذا خرجت القمة الاقتصادية العربية المتوقع انعقادها خلال شهر كانون الثاني (يناير) المقبل بنتائج ايجابية. فالقمة جاءت استجابة لمقترح مصري - كويتي. ونجاحها سوف يعود على البلدين بالفوائد المعنوية والسياسية.
بموازاة هذه التحركات على المستوى الاقليمي العام، نشطت الحكومة المصرية على صعيد العلاقات الثنائية وباتجاه المساهمة في ايجاد حلول لقضايا ذات طابع محلي ولكن بأبعاد عربية ودولية. فعلى الصعيد الفلسطيني، القت القاهرة بثقلها من اجل انجاح المصالحة بين القيادات الفلسطينية وخاصة بين قطبي الصراع الفلسطيني «فتح» و «حماس». وحتى بعد تعثر مؤتمر المصالحة الفلسطينية الذي كان مقررا في القاهرة، اعلنت القيادة المصرية انها سوف تواصل مساعيها من اجل جمع فريقي الصراع الفلسطيني - الفلسطيني وتحقيق المصالحة بينهما. وحققت القاهرة نجاحا سياسيا مرموقا في لبنان الذي يعتبر معبرا مهما الى مواقع التفوق الاقليمي. فمصر كانت اول من رشح العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية اللبنانية، واتبعت ذلك باتصالات مكثفة مع اكثر القيادات السياسية في لبنان، وبتحريك اللجنة العليا اللبنانية - المصرية بعد سبات دام سبع سنوات.
السؤال هنا: هو هل تندرج التحركات المصرية الاخيرة في هذه السياقات نفسها؟ ام اننا امام مرحلة جديدة تتسم برفع سقف تحرك القاهرة الاقليمي وراء استعادة دورها المحوري في السياسة العربية؟
اذا كان الهدف الاخير هو الحافز وراء التحركات المصرية الاخيرة، فيمكن القول ان القاهرة قد اختارت ظرفا دوليا واميركيا مناسبا لتحركها. ذلك ان ادارة بوش لم تكن تحبذ تعزيز دور مصر اقليميا. ولقد برز هذا الموقف في اكثر من مناسبة وخاصة بعد احداث 11 سبتمبر. فعندها قال تقرير لوكالة «اسوشييتدبرس» ان الشعور السائد في اوساط ادارة بوش ان الولايات المتحدة لم تتلق ابان محنتها «الدعم الكافي من اصدقائها العرب». واذ خص التقرير مصر بين هؤلاء الاصدقاء، اضاف ان مسؤولي ادارة بوش قرروا انه «فيما كانت واشنطن تعطي القاهرة في السابق حرية واسعة في التحرك على النطاق الاقليمي، فإنه آن الاوان لوضع حد لهذه السياسة المتساهلة وان تشدد واشنطن في المستقبل على علاقاتها الثنائية مع كل بلد شرق اوسطي وعربي على حدة».
وفي خضم الاستعدادات الاميركية لغزو العراق، ردد مسؤولون اميركيون ان من اهداف الغزو تحويل العراق الى نموذج لـ «الحكم الصالح» وقاعدة لنشر «مبادئ الديموقراطية» في المنطقة. في القاهرة فهم هذا الكلام على انه اعراب عن رغبة ادارة بوش في تحويل بغداد الى مركز للسياسة الاقليمية بعد ان احتلت القاهرة هذه المكانة منذ الاربعينات وبعد هزيمة العراق في الحرب العراقية - البريطانية. وبرز التحفظ الاميركي على دور مصر الاقليمي في كل مرة سعت فيها القاهرة الى التدخل في القضية الفلسطينية.
هذا الموقف البوشي المتحفظ تجاه الدور المصري الاقليمي لم تقابله القاهرة بموقف سلبي مضاد، ولا بردود فعل غاضبة ومناهضة كما كان الامر في مصر الناصرية. بالعكس، قابله سعي مصري ملحوظ لإزالة مبررات التحفظ البوشي، ولمراعاة المصالح والرغبات الاميركية.
في سعيها الى توطيد او استرجاع مكانتها الاقليمية، لا تواجه مصر عقبات اميركية او دولية فحسب، وانما تواجه ايضا تحديات اقليمية. فعندما تراجعت «حماس» عن حضور مؤتمر الفصائل الفلسطينية في الثامن من الشهر الحالي، قيل ان هذا الموقف جاء تعبيرا عن تحفظ على الدور المصري في المصالحة الفلسطينية وان هذا التحفظ لا يعكس موقف «حماس» فحسب وانما ايضا مواقف قوى اقليمية اخرى. وعندما ابدت الجزائر وليبيا تحفظات على الاتحاد المتوسطي، تردد ان هذه التحفظات لم تكن موجهة ضد الاتحاد فحسب بل ايضا ضد اختيار مصر كأول شريك في رئاسة الاتحاد. وعندما تحفظت اطراف شاركت في اجتماع الدول المطلة على البحر الاحمر على تشكيل قوة دولية لملاحقة القراصنة، ذكرت بعض التقارير ان هذه التحفظات عبرت عن امرين: الاول هو رفض ما اعتبر محاولات ترمي الى تعزيز وجود القوات الاميركية البحرية والبرية في منطقة البحر الاحمر، والثاني هو فتور في التجاوب مع المبادرة المصرية تحديدا.
اذا كان من الصعب على مصر ان تسترد مكانة حازت عليها خلال القرن الفائت عندما كانت اولى دول المنطقة في الثروة والنظام الديموقراطي البرلماني والتحرر الوطني والريادة الثقافية والفكرية، اي على كل صعيد من اصعدة التقدم، فإنه ليس هناك من سبب يحول دون تنمية مكانتها العربية بحيث تكون، على الاقل، أولى بين متساوين. هذا المنحى يتطلب الا يغيب عن اصحاب القرار والشأن في القاهرة التمييز بين نوعين من انواع القوى الاقليمية: النوع الاول هو تلك القوة التي تستمد مكانتها وتفوقها من دعم قوى كبرى خارج الاقليم. بحكم هذه العلاقة، تصبح هذه القوى الاقليمية - شاءت ام ابت - ممثلة لمصالح تلك القوى الكبرى ومنفذة لمشيئتها ومسوقة لمشاريعها. النوع الثاني من القوى الاقليمية، هو تلك التي تستمد قوتها من دعم دول المنطقة وشعوبها وتضامنها معها كممثل لها ومعبر عن مواقفها ومصالحها في المجتمع الدولي وفي التعامل مع القوى الكبرى.
هذا الدور الأخير لعبته مصر مرارا في تاريخها كما حدث مثلا ابان مداولات تأسيس هيئة الامم المتحدة، عندما كانت مصر تنطق بلسان الدول العربية وعندما كانت الدول العربية تنطق، جنبا الى جنب مع البرازيل، بلسان العالم الثالث. بمقدار ما اضطلعت مصر بمثل هذه الادوار كانت توطد مكانتها الاقليمية وتكسب مواقع دولية مهمة. الرئاسة المصرية للاتحاد المتوسطي تبدو للكثيرين في المنطقة، وكأنها خروج عن ذلك الدور التاريخي. فالرئاسة هي من صنع الرئيس الفرنسي ساركوزي. والاتحاد المتوسطي هو ايضا من صنعه. والمشروع يهدف، كما يراه الكثيرون في المنطقة وكما قالت صحيفة بلجيكية، الى الاجهاز على فكرة التعاون بين الدول العربية وعلى هوية العرب الوطنية بمقدار ما يرمي الى تطوير التعاون بينها وبين اسرائيل.
سواء صحت هذه التقديرات ام لا، فإنها منتشرة انتشارا واسعا في المنطقة الى درجة ان المشاريع المتوسطية باتت سببا اضافيا لعداء اوروبا والغرب بدلا من ان تؤدي الى خلق وتنمية مناخات التعاون بينها وبين العرب. استطرادا فإن انخراط الحكومات العربية في هذه المشاريع والعمل على تسويقها يضعف مكانتها الاقليمية ولا يعززها. هذا الوضع ينسحب على مصر ايضا. بيد ان الشراكة المصرية في رئاسة الاتحاد المتوسطي اصبحت امرا واقعا، فكيف تتصرف القاهرة تجاه العلاقات الاوروبية - العربية على نحو يفيد الطرفين؟
باستطاعة القاهرة الا تضع بيضا كثيرا في سلة الاتحاد المتوسطي. ان الجهد هنا لن يحقق لمصر الفوائد المرجوة، ولن يعزز مكانتها الاقليمية ولا حتى الدولية. فالاتحاد قوبل بتحفظ في المانيا وتركيا والعديد من الدول الاوروبية. بالمقابل تستطيع القاهرة الدعوة الى مشروع يحقق المنافع للعرب وللاوروبيين معا. يتلخص المشروع بالدعوة الى قمة عربية - اوروبية تجتمع بصورة دورية لبحث العلاقات بين الطرفين وتنميتها في شتى المجالات. هذه القمة يمكن ان تكون على غرار القمة الاوروبية - الآسيوية، وعلى غرار قمم اخرى مشابهة بين التكتلات الاقليمية.
الاطار الاوروبي - العربي للعلاقة بين الجانبين يضمن شيئا من المساواة بينهما ما دام يؤكد الهوية الجمعية للدول العربية ويسمح لها بالتعامل كمجموعة مع الجانب الاوروبي. ان ادخال الجامعة العربية كعضو في الاتحاد المتوسطي لا يحقق هذا الغرض خاصة وانه تم مقابل اعطاء اسرائيل منصب نائب الامين العام للاتحاد. ان الدعوة الى مثل هذا المشروع سوف تؤكد حرص مصر المستمر على التعاون العربي - الاوروبي، ولكنها تؤكد ان هذا التعاون يأتي لفائدة الطرفين.